أوروبا والإسلام[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] مآذن للمساجد في أوروبا - أرشيف
بقلم: السفير علي محسن حميدينذر الاستفتاء في سويسرا بمنع بناء المآذن في المساجد الذي حاز علي تأييد أكثر من نصف الذين شاركوا في التصويت بعواقب لاينبغي التقليل من تداعياتها في كل أوروبا لأن المشكلة ليست سويسرية بحتة، بالرغم من عدم الرضا الرسمي والديني السويسري والأوروبي عن نتيجته. وهذا هو الاستفتاء الأول من نوعه في أوروبا في شأن يخص أقلية دينية تعتبر جزءا من النسيج الوطني والاجتماعي, وقد لايكون هو الأخير في ضوء تنامي ظاهرة الإسلاموفوبيا وتوظيف كراهية الأجانب ـ كل الأجانب ـ لأهداف انتخابية وعنصرية في كثير من دول أوروبا.
وهو مؤشر علي اتساع ظاهرة عدم التسامح رأسيا وأفقيا في دولة أوروبية لم يعرف عنها أنها واحدة من الدول المصابة بداء كراهية الآخر. وماينبغي إدراكه أن أوروبا الرسمية علي خلاف واضح مع أحزاب الكراهية اليمينية التي لاتزال أحزابا هامشية.
ومما يبعث علي القلق أن المسألة الإسلامية في سويسرا مختلفة عن غيرها من الدول الأوروبية, فسويسرا ليس لها ماض استعماري وكانت تعيش علي هامش النظام الدولي وحروبه الساخنة والباردة وتتبع سياسة الحياد ومعظم مسلميها من دول البلقان وتركيا أي بيض أوروبيين, علي عكس مسلمي فرنسا وبريطانيا القادمون من مستعمراتها السابقة. وسويسرا لاتعاني من ضائقة اقتصادية فتجارتها مع العرب وحدهم تبلغ10 بلايين دولار سنويا وجنيف وحدها تستقبل سنويا175 ألف سائح وخليجي. لقد عبر الاستفتاء ونتيجته المفزعة عن مخزون خفي من الكراهية الدينية والعنصرية.
إن بعض المهاجرين العرب والأفارقة والآسيويين يعانون بسبب لونهم أو دينهم في أكثر من دولة أوروبية وكلما حدثت حادثة من قبل عناصر مسلمة طائشة تشبعت بالكراهية أيضا تزداد قوي الرفض لوجودهم ويعتبرون خطرا مجتمعيا ينبغي أن يكون تحت الرقابة الدائمة ليس هذا فقط بل قد سنت قوانين فصلت عليهم وحدهم. وللعمالة العربية عندما كانت هناك حاجة لها بعد الحرب العالمية الثانية قصة تروي. في بلجيكا كانت تستقبل هذه العمالة عند محطة قطار الجاردي ميدي كما لو كانت ضيفا وكان سكنها يجهز قبل وصولها, وكانت بلجيكا أول دولة أوروبية تعترف بالدين الإسلامي كديانة رسمية لتبعد مسلمي بلجيكا عن أي تأثير سياسي وبالخصوص التأثير الشيوعي.
أما فرنسا فقد كانت تعلن في الصحف الصادرة بالعربية فيها عن رغبتها في استقدام عمالة مغاربية وتحدد أجرها اليومي مقدما. ولكن بعد أن أكملت هذه العمالة بناء البنية التحتية التي دمرتها الحرب العالمية الثانية إذا بالأمر ينقلب وبدأ مواطنو هذه الدول تحت وطأة البطالة يقبلون مالم يكونوا يقبلونه من أعمال. ولعبت السياسة دورا ضد هذه العمالة بعد أن تجذرت ونجحت في استقطاب أعداد متزايدة من السكان لمعارضة الاحتلال الإسرائيلي وممرساته الوحشية في فلسطين ولبنان. وكان ـ ولايزال ـ لتأثير الإعلام والفن المنحازين لإسرائيل دوره في توسيع الفجوة بين المسلمين وقسم كبير من مواطني دول الاغتراب وتقديم صورة سيئة عنهم وعن ثقافتهم.
ولكن للحقيقة وجها ثانيا فالأحزاب اليمينية الأوروبية لاتتحمل وحدها المسئولية التي نتحمل قسطا كبيرا منها لأننا لم نفرق في خطابنا الديني الفضائي وخطاب المسجد بين جمهور الداخل وجمهور الخارج الذي أظهرنا في معظم الأوقات في صورة من يعادي الغير بدون توقف وبدون مبرر أحيانا ويسفه دينه وقيمه ويقلل من شأنه ويضع نفسه كمحتكر للحقيقة الدينية ويهون من إنجازاته تحت دعوي أن ما أنجزه دنيوي لاقيمة له ولا وزن لأنه لايقود إلي النعيم الأبدي في الآخرة, وصور مجتمعاته وكأنها في مأزق وعلي حافة الانهيار ولامخرج لها إلا باعتناق الإسلام. ووصل الأمر ببعض من اعتمدوا علي إعانات أسبوعية من الخزانة البريطانية أن طالبوا برفع راية الإسلام علي قصر بكنجهام.
هؤلاء خلقوا فرصا ذهبية للطرف الآخر للتحذير من تحويل لندن إلي لندنستان. وفي ضواحي باريس برزت علي السطح صراعات دامية بين المهمشين المغاربيين وبين سلطة القمع الفرنسية. وبهذا الصدد لايمكن إعفاء تيارات إسلامية من استخدام لغة التحريض والتجهيل وايجاد حالة من الكراهية والنفور لكل ماهو غير إسلامي في هذه المجتمعات. وقد نتج عن دعوة أسلمة المجتمع الغربي أن بعض مسلمي أوروبا بدأوا رحلة اغتراب عن المجتمع المحيط بهم وبدأوا يشعرون بالتميز والفوقية وفضلوا العزلة علي التفاعل مع مجتمع الضلالة وطلقوا فكرة الاندماج في هذه المجتمعات لأنهم أصغوا لمن قال لهم من خارج مجتمعاتهم بأن الاندماج تذويب للهوية.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل بذل جهد حثيث لفرض وصاية علي مسلمي الغرب عندما تم تشكيل منظمة عابرة للقارات هي اتحاد علماء المسلمين من علماء لايعيشون في الغرب ولم يحتكوا بثقافاته ومعلوماتهم عنه وعن مشاكل الجاليات المسلمة عوراء ونقلية أو شفهية. من حق الجاليات المسلمة أن تدبر شئونها باستقلالية وفيها من هو كفؤ لهذه المهمة. وإضافة إلي ذلك من المهم أن يتوقف التنافس الديني الحزبي والمذهبي في الغرب وعدم نقل صراعات الإسلام السياسي ع الأنظمة إلي ساحات بعيدة ليكون حال المسلمين هناك أفضل.