المسلمون في سويسرا أدري بشعابهم[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] الكاتب الصحفي/ حازم عبد الرحمن
بقلم: حازم عبد الرحمن*لا نريد بيانات استنكار أو شجب أو إدانة.. ولا نريد مظاهرات تأييد, أو مظاهرات لإحراق أعلام سويسرا.. دعونا لشأننا فنحن أعلم بهم, نستطيع أن ندير أمورنا بأنفسنا, ونحن أخبر منكم بأهل سويسرا.
(1) كان هذا الموقف القوي والبليغ من مسلمي سويسرا هو أفضل ما صدر من ردود الفعل علي الاستفتاء الأخير بشأن ثلاث مسائل, إحداها التصويت بـ نعم أو لا علي بناء مآذن علي المساجد, وقد اختار57,5% من الأهالي الرفض, وبلغت نسبة الإقبال52%. ومن المهم أن نلاحظ بسرعة, أن الاستفتاء لا يحظر المساجد ذاتها, ولا يحظرالصلاة فيها, ولا يحظر الآذان بها, وإقامة الشعائر, فقط الممنوع هو إقامة المئذنة, وعلينا ألا ننسي, أنه بالرغم من أن عدد المسلمين في سويسرا400 ألف, فإن عدد المساجد بها يبلغ200 مسجد. ثم إن4 مساجد فقط منها هي التي يوجد عليها مآذن في الوقت الحالي.
ويلفت النظر, أنه فور ظهور نتيجة التصويت, أعلنت الحكومة السويسرية ذاتها أسفها, وقالت إنها تشعر بالقلق من عواقب هذه النتيجة علي صورة سويسرا كدولة ديمقراطية تؤمن وتمارس التعدد السياسي والثقافي والديني.. ولم تر أي بأس في أن يلجأ أبناء الجالية المسلمة في سويسرا إلي المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان, بل إنها قالت إنها ستنضم إلي الدعوي القضائية ضد الحظر.
وهذا الموقف ليس فيه أي شيء جديد.. فمن أول لحظة, كانت الحكومة السويسرية ضد الاستفتاء, ثم لما وجدت أنه لا مفر منه, حرضت الناخبين علي التصويت ضده برفضه والوقوف إلي جانب حق إقامة المآذن. وهذا الموقف يفسر لنا السر في الموقف العقلاني الرزين الذي اتخذه المسلمون السويسريون.
(2) كيف يستطيع المسلمون في سويسرا أن يتجاوزوا هذه الصدمة؟
بأن يتمسكوا بأداء شعائر دينهم, خاصة الصلاة في المسجد, وبأن يبينوا من خلال تصرفاتهم اليومية أنهم قوة ضرورية للمجتمع, يستفيد منهم, وأنهم قادرون ومستعدون تماما للاندماج كلية فيه.. وأن يتجنبوا نهائيا أي تصرفات يمكن تأويلها علي معني أن المسلمين في سويسرا يسعون إلي إقامة جيتو إسلامي داخل المجتمع, أي حي أو مجتمع إسلامي معزول عن سائر المجتمع السويسري, وبديهي أن مثل هذا المسعي يكون استفزازيا للآخرين, ويولد مشاعر العداء.
أما الانفتاح علي الجميع بلا أي تحفظ وفي حدود القواعد المقبولة, من خلال العمل, والتعليم, والتسوق.. إلخ, فإنه يكون الأساس الذي يجعل الآخرين يقولون: هؤلاء ناس مثلنا تماما وليس صحيحا كل ما يقال عنهم.. ولا يوجد ما هو أفضل من المعايشة اليومية في هذا المقام.
التجربة التي تواجه المسلمين في سويسرا لن تكون نزهة اجتماعية, أو اقتصادية, أو سياسية, أو دينية, بل هي تحد حقيقي وجاد, وككل صراع أو أزمة, تحتاج إلي البحث والدراسة والاستعداد, وربما يكون المدخل الطبيعي لاستعادة زمام المبادرة, أن يقول المسلمون في سويسرا, انهم يشعرون بأن القرار ينطوي علي نوع من التمييز أو التحيز ضدهم.. وأن كل شكل من أنواع التمييز أو التحيز هو شكل من أشكال العنصرية, وأنهم في الوقت نفسه لا يريدون لسويسرا أن تطولها هذه الوصمة, فضلا عن أن المئذنة ذاتها ليست أصلا من أصول الدين الإسلامي.
إنها مجرد شكل معماري اصطلاحي توافق عليه الناس.. فحتي إذا كان هناك من يعتقد أن حظر المئذنة سينال من الدين في شيء فهو واهم.. فلم يكن مسجد الرسول ـ صلي الله عليه وسلم ـ له مئذنة, ثم إن المأذنة في الزمن القديم كانت ضرورية, حيث كان المؤذن يعتمد علي صوته المجرد لكي يسمعه الناس.. ولذلك كان يلزم ألا تكون هناك أي عوائق تمنع الصوت من الوصول إلي أبعد منطقة ممكنة.
أما اليوم, حيث توجد الميكروفونات, والراديو, والتليفزيون, والموبايل, والإنترنت.. إلخ, فهذه كلها أدوات فعالة جدا لنقل الصوت إلي أي مكان ولو في عمق المحيط, أو في الفضاء الخارجي.. المئذنة إذن ليست جوهرا, بل هي مجرد شكل معماري اصطلاحي.
(3) إذا نجح مسلمو سويسرا في التعامل بكفاءة, وبدون انفعال, أو عنف, وباستخدام كل أدوات الإقناع في تجاوز هذه الأزمة, فلسوف يكون ذلك خطوة مهمة في طريق حياة المسلمين في أوروبا.
فمن المهم أن ينجحوا في هذا التحدي.. لماذا؟.. لأن أخطر عواقب إساءة التصرف, هو أن يمتد نمط التحفظ أو الرفض لبعض مظاهر الثقافة الإسلامية., إلي دول أخري كثيرة مجاورة. خاصة وأن سويسرا في قلب أوروبا
أما إذا نجحوا, وتمكنوا من إقناع الأوروبيين بأنه لا محل لمخاوفهم, فلسوف يكون ذلك فتحا مبينا.
علينا ألا ننسي أبدا أن ظلال11 سبتمبر2001 ستبقي تطارد المسلمين في أوروبا وأمريكا وحتي في آسيا لسنوات طويلة مقبلة.. أرجوك.. لا تقل لي إنها من تدبير المخابرات الأمريكية.. كل المطلوب من المسلمين أن يتصرفوا بوصفهم بشرا يحترمون حق الإنسان في الحياة.. ولا يؤمنون باللجوء إلي العنف أو القوة لإرغام الناس علي ما لا يريدون.
وعليهم في هذا كله أن يتجنبوا تماما أي علاقات من أي نوع مع الجماعات المتطرفة أو الإرهابية.. فهؤلاء جروا علي المسلمين مصائب هم في غني عنها, ثم إن عليهم أيضا أن يدرسوا جيدا طريقة التعامل الخاطئة مع الرسوم الكارتونية المسيئة, فلعل المظاهرات العنيفة, وإحراق الأعلام, والتهديد والوعيد, قد أثارت من المخاوف والمشاعر المعادية أكثر مما أحدثت من تعاطف وتفهم.. ويبقي أن ننتظر لنري ماذا سيحدث.