لست أدرى هل انحرفت الرياضة في كثير من البلدان العربية، حتى صارت مصدر قلق للرأي العام، جراء تحوّلها إلى أداة للتباعد، بدل أن تكون جسرا للتواصل يمتن اللحمة بين الشعوب، فزرعت البغضاء والأحقاد بين الإخوة الذين وحدهم التاريخ والمصير المشترك، وصارت العلاقات أحيانا مرهونة بنتيجة مقابلة رياضية في كرة القدم كثيرا ما يتراشق الاثنان بالالفاظ السيئة نعقبها بالسب والشتم والقذف والتنابذ بالالقاب المشينة خاصة بين الجزائر ومصر .
هذا ولم يعد المشرفون على الفرق الوطنية يشعرون باطمئنان ومن دواعي الأسف أن الكثير من المنابر الإعلامية بأنواعها في البلدين قد انساقت وراء هذا السلوك الأخرق، طلبا للربح السريع من خلال مضاعفة مبيعات الجرائد أو حجم المشاهدة، دون التفكير في العواقب الوخيمة التي تنتج عن ذلك، والتي من شانها أن تلوث العلاقات الحميمة بين الاشقاء الذين يجمعهم الدين واللغة والتاريخ والجهود التي صنعتها أجيال عديدة عبر التاريخ .
لذلك فمن الواجب التذكيربضرورة أن تعود اللقاءات الرياضية لتكون وسيلة للتعارف والتواصل ولبناء العلاقات الاخوية المتينة بين الشعوب وأداة للتسلية والترفيه والترويح عن النفس، تخفف من وطأة الحياة اليومية.
وعلينا أن ننظر ونتعلم من كرة القدم في العالم الغربي وفى أمريكا اللاتينية فما أجمل تلك الصور التي تصلنا من العالم الغربي المتحضر، في مختلف المنافسات الرياضية الشريفة، التي تظهر المتفرجين في قمة السمو المدني، يناصر كل طرف فريقه بأسلوب حضاري راق، يعبر فيه عن تقديره للفريق المنتصر ولو كان خصما لفريقه المفضل لانهم لايتعصبون للفريق بقدر تعصبهم وتشجيعهم للاداء الجيد .
ومما لا يختلف فيه اثنان أن مصر قد لعبت دورا رائدا في مساعدة الجزائر، ثقافيا وسياسيا خاصة مع بروز الحركة النهضوية الإصلاحية والجهاد ضد المستعمر الفرنسي ، وظهور التيار الوطني التحرري، فكانت مصر بمثابة القبلة التي استقطبت نشطاء المجتمع المدني، والحركة الوطنية، وطلبة العلم ، لتصير بعد اندلاع الثورة التحريرية الكبرى، قاعدة خلفية أساسية لها، الأمر الذي جعل فرنسا تشن الحرب علي مصر في العدوان الثلاثي سنة 1956.
وإذا كانت هذه المعلومات التاريخية قد تبدو بديهية بالنسبة للكبار، فإن الكثير من الشباب والأجيال الجديدة يجهلون مدى الترابط الوثيق بين مصر والجزائر ومن مظاهر الدعم والمؤازرة بالأمس القريب استقبال مصر لرموز الحركة الإصلاحية الاجتماعية، وممثلي الحركة الوطنية، وتقديم الدعم الكامل لهم ، من اجل العمل على تكسير الحصار الإعلامي المفروض على كفاح الشعب الجزائري .
وتم في ذات سياق دعم الثورة إنتاج فيلم حول البطلة الاسطورة جميلة بوحيرد ، ووضع لحن النشيد الوطني الجزائري للفنان المصري الجميل محمد فوزي ، ومن أبرز البصمات الجزائرية في الثقافة المصرية الشاعر الذائع الصيت البوصيري صاحب البردة، والمطربة الكبيرة وردة الجزائرية والتي غنت لمصر أكثر من أي فنان آخر 0
هذا مجرد غيض من فيض مما يمكن أن يقال عن التعاون المصري الجزائري على مدار التاريخ ،وللمعرفة فإنني لا أذكر هذه الأشياء كي أمن بها على شعب الجزائر الشقيق ! ولكنى أذكرهم بأيام الاخوة في العروبة والاسلام والكفاح المشترك ضد الاستعمار وهي ايام لاتنسى في تاريخ علاقات شعبينا فعلاقة شعبي مصر والجزائر أكبر بكثير من مجرد مباراة كرة قدم يكسب فيها من يكسب ويخسر فيها من يخسر.
فعلينا ألا نترك مدخلا للكراهية والبغضاء ليتسللا إلى قلوب شعبينا ، وعلينا أن نستقبل مباريات كرة القدم بيننا بكل روح أخويه ورياضيه وبما إنني مصري أتمنى من أعماق قلبي أن يتأهل منتخبنا الوطني إلى المونديال بجنوب أفريقيا وأن يرفع رأس مصر والعرب أمام العالم كله ، ولكن في نفس الوقت لو تأهل المنتخب الجزائري الشقيق سوف أهئئه لأنه منتخب مسلم عربي شقيق 0
ولذا أناشدكم بحق الإسلام الذي يجمع بلدينا، و باسم الإنسانية التي يشاركنا فيها الآخرين، وباسم الرياضة التي تهدف إلى تطهير النفس قبل تحقيق الانتصارات، بقدر حبكم لأبنائكم وأبناء شعبينا وحقهم في الاستمتاع بالحياة بنفوس طاهرة من الحقد والغل في المستقبل!!.
أتمنى أن تلتقي العقول والقلوب المخلصة في البلدين على عمل مشترك يهدف إلى تخفيف حدة التوتر الجماهيري وإعادة الود إلى مساره بين الطرفين، وألا نظل تلك الاحداث المؤسفة مسرحية هزلية يشاهدها العالم ويضحك علينا كما هو الآن.
وعلينا أن نحافظ على إسلامنا وعلى عروبتنا وألا نعطى للآخرين فرصة للشماتة فينا فنحن أمة تستحق الاحترام والتقدير لما قدمته من تضحيات على مرور العصور والازمان0